يستكشف ما يقرب من ثلثي البلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى اعتماد عملة رقمية للبنك المركزي، كوسيلة لتعزيز الشمول المالي وتحسين كفاءة المدفوعات عبر الحدود، حسبما جاء في دراسة نُشرت في «مدونة» (Blog) تابعة لصندوق النقد الدولي.
يتطلّب اعتماد عملة رقمية للبنك المركزي دراسة متأنية. فالبلدان في هذه المناطق، التي تمتد عبر مجموعة متنوعة من الاقتصادات تمتد من المغرب ومصر إلى باكستان وكازاخستان، يجب على كل منها أن تزن اوضاعها الفريدة والظروف المحيطة بها.
العديد من البلدان الـ 19 تستكشف حالياً ملف العملة الرقمية للبنك المركزي. وقد انتقلت البحرين وجورجيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى مرحلة «إثبات المفهوم» الأكثر تقدّماً. وتعدّ كازاخستان الأكثر تقدمًا بعد برنامجين تجريبيين للعصر الرقمي.
يمكن أن تساعد العملات الرقمية البنك المركزي في تحسين كفاءة خدمات الدفع عبر الحدود. ويبدو أنّ هذه أولوية مهمّة لمصدّري النفط ودول مجلس التعاون الخليجي، مثل البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. إنّ السبب وراء ذلك هو أنّ المدفوعات عبر الحدود تميل إلى أن تكون معقّدة وفيها مطبّات، مثل اختلاف تنسيقات البيانات وقواعد التشغيل عبر المناطق وعمليات التحقق من الامتثال. إنّ العملات الرقمية للبنوك المركزية تعالج أوجه القصور هذه، ويمكن أن تخفّض بشكل كبير تكاليف المعاملات.
قدّمت بعض البلدان بالفعل منصّات تكنولوجية عبر الحدود لمعالجة هذه القضايا وتعزيز المدفوعات بالعملة الرقمية بين البلدان. ومن الأمثلة على ذلك نظام الدفع عبر الحدود «بونا»، الذي أنشأه صندوق النقد العربي في عام 2020.
يمكن للعملات الرقمية للبنوك المركزية أن تعزّز الشمول المالي من خلال تعزيز المنافسة في سوق المدفوعات والسماح بتسوية المعاملات بشكل أكثر مباشرة وبأقل قدر من الوساطة، مما يؤدي بدوره إلى خفض تكلفة الخدمات المالية وجعلها أكثر سهولة. وعلى عكس البنوك التجارية، يمكن للبنوك المركزية أيضاً المساعدة في الحفاظ على انخفاض التكاليف لأنّها لا تهتم بتحقيق الربح. وبالمثل، فإنّ المنافسة المتزايدة الناتجة في سوق المدفوعات من العملات الرقمية للبنوك المركزية يمكن أن تشجع أيضاً على ترقية منصات التكنولوجيا وكفاءة خدمات الدفع، مما يساعد الخدمات المالية في الوصول إلى المزيد من الناس. إنّ البلدان في القوقاز وآسيا الوسطى، ومستوردي النفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والبلدان ذات الدخل المنخفض، مهتمة بشكل خاص بهذه الفائدة المحتملة.
ولكن من دون معالجة بعض الحواجز التي تحول دون زيادة استخدام الحسابات والمدفوعات الرقمية ــ انخفاض الثقافة الرقمية والمالية، والافتقار إلى تحديد الهوية، وانعدام الثقة في المؤسسات المالية، وانخفاض الثروة ــ فإنّ استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية قد لا يكون له سوى فوائد هامشية.
احتواء المخاطر
تشكّل الودائع حصة كبيرة من تمويل البنوك في المنطقة، بنحو 83%. ولأنّ العملات الرقمية للبنوك المركزية قد تتنافس مع الودائع المصرفية، فقد تثقل كاهل أرباح البنوك والإقراض، وقد تكون لها آثار على الاستقرار المالي. ومع ذلك، يتمتع المقرضون في المنطقة عموماً بمستويات رأسمالية كافية، وهامش ربح، ومخازن سيولة، وقد يحدّ تركيزهم المرتفع نسبياً من الضغوط على الودائع.
وفي ما يتصل بالسياسة النقدية، قد تعزّز العملات الرقمية للبنوك المركزية انتقالها إلى أسعار الودائع من خلال زيادة المنافسة بين البنوك. كما قد تعزز العملات الرقمية للبنوك المركزية قناة الإقراض المصرفي للسياسة النقدية. ومع ذلك، وكما تؤكّد ورقتنا البحثية، فإنّ التأثير من المرجح أن يكون خاصاً بكل بلد، ومن الصعب تقديره، لأنّ استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية محدود حتى الآن.
ويمكن لصنّاع السياسات التخفيف من المخاطر المحتملة على الاستقرار المالي. في حين لا توجد متطلبات مسبقة واضحة لتبنّي العملات الرقمية للبنوك المركزية، فإنّ النظام المصرفي السليم، والنظام القانوني السليم، والقدرة الإشرافية والتنظيمية القوية، هي الأكثر أهمية للحدّ من المخاطر. كما يمكن أن تساعد ميزات التصميم للحدّ من المنافسة مع الودائع المصرفية، مثل استخدام قيود على أرصدة ومعاملات العملات الرقمية للبنوك المركزية.
سيعتمد تحقيق الأهداف لتعزيز الشمول المالي وكفاءة نظام الدفع على خيارات التصميم ذات الصلة. على سبيل المثال، يمكن أن يعزز تصميم العملات الرقمية للبنوك المركزية للعمل دون اتصال بالإنترنت، الشمول المالي في المناطق ذات الخدمة المتنقلة المتقطعة، مثل البلدان المنخفضة الدخل والدول الهشة والمتأثرة بالصراعات. وفي المقابل، فإنّ استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية للتحويلات عبر الحدود يمكن أن يساعد في خفض تكلفة إرسال التحويلات وتسريع أوقات التحويل.
في نهاية المطاف، سيكون إدخال العملات الرقمية عملية طويلة ومعقّدة، يجب على البنوك المركزية التعامل معها بحذر. ويتعيّن على صنّاع السياسات تحديد ما إذا كانت العملة الرقمية للبنك المركزي تخدم أهداف بلادهم، وما إذا كانت الفوائد المتوقعة تفوق التكاليف المحتملة والمخاطر التي قد يتعرّض لها النظام المالي والمخاطر التشغيلية التي قد يتعرّض لها البنك المركزي. وعلاوة على ذلك، قد لا يكون التبنّي ضرورياً لتحقيق الأهداف السياسية المقصودة، وقد تكون معالجة القيود الأساسية بديلاً أكثر عملانية، مثل تبني أو تحسين أنظمة الدفع الرقمية الأخرى.
من جانبه، يساعد صندوق النقد الدولي البلدان في استكشاف العملات الرقمية للبنوك المركزية. ومن خلال تنمية القدرات والمراقبة، ندعم صنّاع السياسات في تقييم الحاجة إلى إصدار عملة رقمية للبنوك المركزية ومساعدتهم في صياغة سياسات وأطر تنظيمية قوية، يمكنها تقليل مخاطر الاستقرار النقدي والمالي. كما ينشر صندوق النقد الدولي فصولاً جديدة من دليل العملات الرقمية للبنوك المركزية، مسترشداً بأسئلة محدّدة حول تنمية قدرات البلدان بشأن تقييم الحاجة والمخاطر، ووضع خطط ملموسة لإصدار عملة رقمية للبنوك المركزية.